إذا جرت إزالة شيء في مدننا كأثر له قيمة أو جدار يذكر التاريخ أن له دوراً في حرب أو صد غازي أو غير ذلك من رموز ذكرى، فمن الصعب إعادة بنائه. الرموز التي في ميادين جدة مثلاً صارت لدرّاجات (سياكل) وكأننا نُعطي الأجيال القادمة أن العجلة (السيكل) هي التي أخذت مكانة الحصان العربي. آتي إلى ما في بالي في هذه اللحظة، وهو التردد في إيجاد ظل في المقابر ليقي المشيّعين حرارة أشهر الصيف. أكثر من مرة وأنا ضمن مشيعي بعض من رحلوا سألت أفاضل يحملون درجات علمية في الفقه والشريعة، بل إن بعضهم تولى رئاسة مجمعات علمية لها كبير الشأن في بلادنا، عن مثل هذه المفاهيم فقال لي: إن كثيراً من حسن النوايا يضل طريقه الصحيح، وما دامت المظلة قد أزيحت فلن يجرأ أحد ان يطلب إعادتها حتى لا يساء فهم غرضه انتهى قوله. أذكر أن أمانة مدينة الرياض جهزت مقبرة النسيم ببناء ظل متحرك اجتهادًا منها لما يحقق مصلحة وراحة المشيعين خصوصاً من كبار السن أثناء تشييع أقاربهم أو محبيهم في أشهر الصيف اللاهبة.. وكانت تلك المباني مرنة يمكن سحبها وإبعادها حسب الحاجة. إلا أنني مثل غيري لاحظت اختفاء هذه الطريقة المثلى لإنصاف الأحياء..! وفق عمل لا يتعارض مع الشرع وليس فيه سوى حسن النية. وأعتقد أن البعض ظن أنها بدعة أو طريق إلى بدع أو طرق مذهبية أو ضرب من ضروب الإفراط أو الرهبنة.. وترتب على هذا الظن الخاطئ أن جاء من جاء في ذلك الوقت وطلب من الأمانة أن تزيل ذلك الظل ولا أقول المبنى. الرحمة والعطف والرعاية هي المحك الفعلي للفرد المسلم، وتظليل مكان لمشيعي موتاهم ليس استحداثاً جديداً في الملة، وليست عملية مخيفة ولا تشكل إغراء لمن يريد أن يحدث في ديننا ما ليس منه.
مشاركة :