شاركت عشرات المواقع على شبكة الإنترنت في احتجاج عبر الشبكة الثلاثاء الماضي مزدانة بالنوافذ المنبثقة واللافتات، ودفعت بعض أبرز شركات الإنترنت زوارها لمناشدة الكونجرس الدعوة لإنقاذ حيادية الشبكة. إنها خطوة تكتيكية يائسة لكنها حققت نجاحاً في الماضي، وساعدت على إنقاذ الشبكة من ويلات قانون وقف القرصنة على الإنترنت (سوبا) في العام 2012، وفي الدفاع عن حيادية الشبكة في عام 2014. ولكن الاحتجاجات الحالية، وعلى سبيل المقارنة، ملحة وتأتي في اللحظة الأخيرة قبل 48 ساعة من إعلان لجنة الاتصالات الفيدرالية خططاً لإلغاء حماية حيادية الشبكة يوم الخميس، والتي يبدو أنها تسير بلا هوادة. يقول المتخصص في مجال التكنولوجيا، إيريك ليمير: «ويبدو أن الطبيعة الأساسية للإنترنت متجهة إلى التغيير بالكامل، وليس للأفضل. وحشدت حملة «حطموا الإنترنت» عمالقة على الشبكة العنكبوتية مثل رديت، موزيلا، كلاودفلير، بينتيريست وجيثب للاحتجاج نصرة لقضيتها. كما قدّم المنظمون تعليمات لتصنيف وإبلاغ مستخدمي الويب للانضمام إلى حملة الاحتجاج، عن طريق الصراخ في الفضاء مع منشورات هاشتاغ مسبقة الإعداد أو، بذكاء، من خلال استخدام خوارزمية الفيسبوك للإعلان عن زواجهم المقبل بحيادية الشبكة». ويأتي كل هذا بعد أسبوع واحد فقط من مظاهرات في الحياة الواقعية على الصعيد الوطني في الولايات المتحدة، شهدت تجمع المتظاهرين خارج مخازن فيريزون المحلية للاعتراض على نفوذ عملاق الاتصالات، وأكثر من ذلك، لإيصال احتجاجهم إلى خريجها أجيت باي، رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية الذي سيرأس إلغاء حياد الشبكة.وهناك احتمال أن يؤدي هذا الصراخ كله إلى وقف التنفيذ كما فعل في عام 2014، ولكن تبدو مناشدة الكونجرس التي هي المسار الأكثر وضوحاً ومباشرة للعمل، إلى حد ما غير ذات صلة ويرجع القرار في نهاية المطاف إلى لجنة الاتصالات الفيدرالية، وقد سبق للجنة أن كشفت ما هي بصدد فعله. وإضافة إلى ذلك فقد أظهر الكونجرس عزوفاً في الماضي عن الخوض في هذه القضية، ووقف مؤخراً إلى جانب شركات الاتصالات الكبيرة بشأن مسألة خصوصية الأفراد، ناهيك عن أنّ المشرعين لديهم الكثير من الأشياء الأخرى للقلق بشأنها خلاف ذلك. فكيف يمكن للإنترنت أن تبدو إذا كان الأسوأ قد أوشك أن يمر؟ وفقاً للجنة الاتصالات الفيدرالية فسوف نرى المزيد من الاستثمارات في شبكة الإنترنت، على الرغم من أن هذا القول مشكوك فيه في أحسن الأحوال. وفي الوقت نفسه، وعدت شركات الاتصالات بأن تسير الأعمال كالمعتاد - لا عرقلة، لا اختناقات، لا أعمال مضحكة. ومع ذلك، تعمل الصناعة في الوقت نفسه على إلغاء أي شيء يربطها بتلك المعايير، ويدفعها لتجاهل محاولاتها السابقة في هذا النوع من السلوك الذي يحظر حيادية الشبكة.على الرغم من الرؤى المرعبة لخدمات للإنترنت متدرجة مماثلة لحزم تلفزيون الكيبل، فإن مستقبل شبكة الإنترنت غير المحايدة يمكن أن يكون قمعياً بطرق أكثر سرية. وإذا لم يكن لديك حالياً سقف للبيانات على اتصالك المنزلي فإنه قد يكون من الحكمة أن تستعد لأحدها. وسيكون أي تقنين للبيانات بمثابة مرحلة لما رأيناه بالفعل من مقدمي خدمات الهواتف الخلوية غير المثقلين بحيادية الشبكة: مجرد استثناءات من قاعدة خدمات معينة تدفع مقابل الامتياز، أو ما يفضله موفّر خدمة الإنترنت الخاص بك لأي سبب متعلّق به. ويمكن أن تقدم هذه المعاملة التفضيلية بدورها على أنها تحسّن على وضع بالغ السوء. إنها كذلك! لكنها أيضاً مجرد نسخة مخفّفة مما كان طبيعياً، وما قد يتلاشى بسرعة من الذاكرة.ويؤدي تركيز السلطة حول مقدمي الخدمات الراسخين بالفعل إلى جلب كل أنواع المشاكل حتى مع وجود حيادية الشبكة في مكانها. فيبتز الفيسبوك الناشرين للوصول إلى أتباعهم في حين يسمح للمعلنين بترويج أخبار وهمية على نطاق واسع. ويظهر جوجل نتائج البحث التي تسلط الضوء على معلومات خاطئة إلى حد بعيد، في حين تواجه نتائجه للتسوق عبر الإنترنت عقوبات مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي. وتنتهك ساحة تويتر الأمر الواقع على الإنترنت سياسات تفرض معياراً مزدوجاً صارخاً، وهي ودية بشكل مشبوه لمدّعي النازية الحقيقيين.«زحف المنصة» التي قد جمدت شبكة الإنترنت المفتوحة حول هذه الشركات الإقطاعية القوية على نحو متزايد، قد كانت تتراكم لسنوات بالفعل. على شبكة الإنترنت المحايدة ظاهرياً، حيث يوجد افتراض أساسي للمساواة بين الخدمات كبيرها والصغيرة منها فإنه يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال اثنتين: خرق الثقة والابتكار. لكن الإنترنت غير المحايدة تهدد بإغلاق الباب برويّة وإحكام، وذلك بإعطاء شاغليها صفة دائمة وفي اتجاه صعودي. إن إلغاء حيادية الشبكة ليس حدثاً كارثياً سيؤدي على الفور إلى تحطيم شبكة الإنترنت، ولكنه بمثابة تركيب لعدسة ستركّز وتكثّف أسوأ صفات الإنترنت على مستوى أساسي أكثر منها في أي وقت مضى. ويمكن أن تبدأ نهاية حيادية الإنترنت انحداراً لا عودة منه. محاولات ينتظرها الفشل قد لا تكون التكلفة الهائلة للإنترنت غير المحايدة هي ما نفقده، لكن هي ما قد فشلنا في كسبه. وفي لحظة يتعثر فيها عمالقة الإنترنت تحت ثقل وزنهم وكل مزيج تقريباً من شركات الكابلات قد اندمج أو حاول الاندماج، فإن إلغاء حيادية الشبكة سيعطي جميع الأطراف المعنية القدرة على الاستفادة من قوتهم نحو المزيد من القوة. وحتى في مواجهة الانزعاج العام لدى المستخدمين والجوع من أجل البدائل، فإن المحاولات الرامية إلى إضعاف الوضع الراهن المبتذل ستصبح أكثر صعوبة تقريباً.وفي نهاية المطاف، فإن المسار النزولي والآثار الناجمة عنه قد يكون من الصعب تحديدها بدقة، دعونا نأمل فقط أننا لن نضطر بعد سنوات من الآن إلى تذكر الوقت الذي كانت فيه الإنترنت جيدة.
مشاركة :