أين الإبرة؟ وأين الطيّارة؟ | م. طلال القشقري

  • 12/17/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

في تمام الساعة السابعة صباحًا، دقّ جرس المُنبّه المصنوع في (بلاد برّة)، فنهضْتُ من سريري المصنوع في (بلاد برّة)، استعدادًا لدوام يوم عملي جديد، وانْتَعلْتُ حذاء البيت المصنوع في (بلاد برّة)، ومشيْتُ على بلاط البورسلان المصنوع في (بلاد برّة)، مرورًا بالسُجّادة المصنوعة في (بلاد برّة)، وفتحْتُ باب دورة المياه المصنوع مقبضُه، ومفتاحه، و"كيلونه" في (بلاد برّة)، وضغطْتُ على زرّ مفتاح الإضاءة المصنوع في (بلاد برّة)، وأدرْتُ صنبور المياه المصنوع في (بلاد برّة)، فانسابت منه مياه البحر التي صُنِعَت مواد ومعدّات تحليتها من البحر في (بلاد برّة)، ثمّ بدّلْتُ ملابسي الداخلية المصنوعة في (بلاد برّة)، ولبسْتُ ثوبي المصنوع قماشه في (بلاد برّة)، وارتديتُ شماغي المصنوع في (بلاد برّة)، ووضعْتُ عليه عقالي المصنوع في (بلاد برّة)، وانتعلْتُ حذاء الخروج المصنوع في (بلاد برّة)، وخرجْتُ من البيت وركبْتُ سيارتي المصنوعة في (بلاد برّة)، وقُدْتُها في الشوارع التي صُنِعت معدّات سفلتتها في (بلاد برّة)، ووقفت في إشارة المرور المصنوعة في (بلاد برّة)، وقد أحاطت بي أرتال مهولة من السيارات المصنوعة في (بلاد برّة)، ولم أرَ أيَّ أثر للسيارة (غزال) التي قيل إنها باكورة صناعة السيارات السعودية، واتّضح أنها باكورة في الخوخ والمشمش، ورأيت بدلاً منها كاميرا ساهر المصنوعة في (بلاد برّة)، وهي تُومض بالمخالفات المرورية، وتبعث برسائل sms للناس بالغرامات المالية من فئات ٣٠٠ و٥٠٠ ريال وأخواتها، وتوقفْتُ عند مقهى بارنيز الشهير في شارع التحلية لأشتري الشاي بالحليب المخفوق، الذي تُعدّه ماكينة مصنوعة في (بلاد برّة)، وبينما أنا أشرب الشاي في السيارة، وأستمع للقرآن الكريم من المذياع المصنوع في (بلاد برّة) تجوّلت بنظري فيما حولي، فبدا لي كل شيء تقريبًا مصنوعًا في (بلاد برّة)، وأخيرًا وصلْتُ إلى مكتبي لأتّصل باستعلامات الهاتف بجوّالي المصنوع في (بلاد برّة)، بحثًا عن رقم وزير التجارة و(الصناعة)، لأستفسرَ منه عمّا إذا كان لدينا خطط قريبة المدى، أو متوسطة المدى، أو حتى بعيدة المدى، لنكون أمّة صناعية نعيش ممّا تصنع أيدينا، وسواعدنا؟! وهنا أدرك شهرزاد الصباح، وقبل أن تسكت عن الكلام المباح، قالت إنّ كشْف حضور الدوام لديها يُثبت أنّ صناعاتنا الوطنية شبه غائبة، تقريبًا في كلّ أصنافها، الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، فهلّا أحضرناها، لتشمل كلّ ما نحتاجه في حياتنا، فقد هرمنا ونحن نسأل: أين الإبرة؟ وأين الطيّارة؟! @T_algashgari algashgari@gmail.com

مشاركة :