الدروس الخصوصية Tutoring هل هي فساد أم تضارب في المصالح؟ الفساد جريمة واضحة الملامح، ذات عناصر محددة، وهي قطعًا جريمة ولا خلاف في ذلك، إذا ما قورنت بوضعية تضارب المصالح، التي لا يمكننا حصر أركانها وعناصرها بشكل ثابت لكونها ظاهرة غير مستقرة. والدروس الخصوصية هي وضعية جني مكاسب خاصة من المهنة، إذًا هي جريمة فساد صريحة واضحة العناصر والأركان وتقوم على جني المكسب الخاص، أو كما يطلق عليه في تصنيف تضارب المصالح أنه "نمط تضارب المصالح الفعلي" الذي يقوم على عنصر أساسي وهو "تحقيق المكسب الخاص" من الوظيفة أو المهنة! وهذا النمط يقترب قليلًا من مفهوم الفساد في حالة حدوث ضرر على المديين القريب أو البعيد. وإذا كانت الدروس الخصوصية هي جريمة فساد فعلية، فلماذا لا يطلق على "المعلم" صفة مجرم ؟! البعض سيجيب، بأنه فعلًا مجرم ويستحق العقاب لأنه يخترق إحدى قواعد أخلاقيات مهنة التعليم ويحقق مكسبًا خاصًا دون النظر لمصلحة الطالب، فهناك معلمون يقومون بتكوين ثروة هائلة من الدروس الخصوصية دون أدنى اكتراث لمصلحة الطالب، وفي ظل غياب منظومة عقابية رادعة. وهذا الرأي أتفق معه تمامًا، حيث إن الحكومات الغربية تتعامل مع الدروس الخصوصية على أنها حالة تضارب مصالح غير مقبولة وهي معروفة بأنها "جريمة فساد"، لكن تصنيف وضعيات تضارب المصالح يعيد النظر في تقييم بعض السيناريوهات والمواقف لسلوكيات الأفراد في المنظمات. فموقف الدروس الخصوصية في مصر لا يعتبر جريمة فساد وإنما توصيفه الحقيقي أنه موقف تضارب مصالح وليس فسادا. والسبب في ذلك هو تأثير الثقافة والجغرافيا على تغيير طبيعة مثل هذه الظواهر. فما هو "فساد" يصبح "تضارب مصالح" وما هو تضارب مصالح قد يكون فسادًا. وحتى نكون منصفين في تقييمنا لقضية الدروس الخصوصية وتوصيفها بأنها تضارب مصالح وليست فسادا، على الرغم من كونها في الأصل فسادًا صريحًا، لابد أن نأخذ في اعتبارنا أمرا هاما، أن العلاقة بين الطرفين "المنتفع" beneficiary والمقدم للمنفعة provider تقوم على التوازن بين الحقوق والمصالح، فمثلًا، عندما تعتبر الحكومات الغربية أن الدروس الخصوصية جريمة فساد، فهي في الوقت ذاته، ضمنت للمعلم حياة كريمة ودخلا مُرضيا يحقق مطالبه اليومية مع اعطائه مزايا متعددة تغنيه عن عملية التربح الخاصة غير القانونية. لكن الوضع يكاد يكون مختلفا في البيئة المصرية مثلا، فالمعلم لا يحظى براتب منصف ومن ثم يكون من حق البعض الاستفادة من الدروس الخصوصية بشكل يوازي بين مصلحة الطالب دون استغلاله، ويحقق له استفادة معقولة من هذه الوضعية دون استغلال أو انتهازية تجعله يتطلع من خلالها لتكوين ثروة. فعلى الرغم من تجريم وحظر الحكومات الغربية لظاهرة الدروس الخصوصية ، إلا أنها تنظم بعض مواقف المعلمين الذي يضطرون لإعطاء الطلاب دروسا اضافية تحقيقًا لمصلحته لكن شريطة الافصاح المسبق للإدارة المعنية في المدرسة، وهنا تُعتبر وضعية تضارب مصالح خاضعة للضبط والتقييد ولا تتعدى حدود الجريمة. على الجانب الآخر، هناك قلة قليلة من المعلمين ترفض تمامًا فكرة الدروس الخصوصية رغم أنهم يتقاضون دخلا ضعيفا، وهذه الفئة نادرة، يتسمون بأخلاق سامية تحركهم لتحقيق غاية نبيلة غير مرتبطة بسلوك انتهازي أو دوافع لتحقيق طموحات خاصة. وهناك فئة ثالثة غايتها الأساسية البحث عن التربح دون أدنى اكتراث لأخلاقيات المهنة ومصلحة الطالب. وفي كل الأحوال لا يمكن أن يطلق على الدروس الخصوصية صفة "الفساد" وإنما الوصف الدقيق لها هو أنه موقف "تضارب المصالح" بسبب اختلال التوازن بين حق الطرف المنتفع وبين حق المقدم المنفعة. لكن، إذا ما تحقق التوازن بين الطرفين، ونال المقدم للمنفعة حقوقه كاملة، حينها يصبح في موقع فساد وليس تضاربا في المصالح. وخلاصة القول، أن مواقف الأفراد تثبت عدم استقرارية ظاهرة تضارب المصالح، وتؤكد على أنها ظاهرة لابد وأن تخضع لمنطق التوازن وليس الفصل والضبط وليست الرقابة.
مشاركة :