تقول الروايةُ إنّ جريراً هاجى ثمانين شاعراً وانتصف منهم. تلك المقولة توحي للقارئ أنّ جريراً شاعرٌ عِرِّيْضٌ كثير الهجاء، وبما أن هذا خُلُقٌ من الأخلاق فقد يرثه الأبناء، ويسري في الأعقاب، بل قد يكون وقُوداً لهم يُحفِّزُهم على الهجاء إدلالاً بذيوع شهرة جدِّهم بالهجاء، ويعضد هذا صِيت اجتماعي بذلك. وقد ظهر من أحفاد جرير من قاربه في هذا المسلك ألا وهو: عُمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، شاعر هَجَّاء لا يرضى بعد الانتصاف إلَّا بالإسراف، وقد وصفه أبوالفرج قائلاً: «وكان عمارةُ هَجَّاء خبيث اللسان». لقد اتفق عمارةُ مع جدِّة جرير في تَطلُّبِ الهجاء، وكثرة من دخل معهم في معارك هجائية، وإذا كنَّا عرفنا كثيراً ممن تهاجوا مع جرير لشُهرته، وتلقطِ أخباره من الرواة؛ فإنّ من هاجَاهُم عمارةُ كانوا كثيرين أيضاً، لكنَّ انحسار تتبِّعِ أخبارِ اليمامة وشعرائها غمرَ كثيراً من أسمائهم وأخبارهم. لقد كان لذلك التشابه بين الجَدِّ وحفيدِه مُفارقة نراها في أنَّ كثيراً ممَّن هاجَاهم جريرٌ بقُوا دهراً يُصاوِلْنَهُ الهجاء، وأشهرهم الفرزدق،أمّا عمارةُ فقد كان الموتُ بشتَّى صوره يُنهي تلك المعركة سريعاً بموت قَرْنِه، قال عمارة: «ما هَاجيتُ شاعراً قط إلّا كُفِيتُ مَؤونَتَهُ في سنة أو أقلَّ من سنة، إما أن يموتَ، أو يُقْتلَ». وممَّن قُتل ممن هاجَاهُم: أبوالرُّدَيْنيّ العُكْليُّ، وفَرْوة بن حَمِيْصة الأسدي.
مشاركة :