يزخرُ الشعر العربي بمادة ثرية عن الأخلاق المحمودة، وعندما نُجِيلُ النظرَ في دواوين الشعر الجاهلي نجدُ إلْحَاحَهم في المديح والرثاء على علاقة الجار مع جاره، مدحاً أو ذمًّا، ونلحظُ منها أنَّ منزلة حَرِيْم الجار عاليةٌ، فالشاعر ينقطع عن زيارة بيت جاره إذا غاب، حفظاً لحُرمة جاره، يقول حاتمٌ: وما تَشْتكِيني جارتِي غير أنَّني إذا غابَ عنها بَعْلُها لا أزُوْرُها سيَبْلُغها خيري ويرجعُ بعلُها إليها ولم تُسْدَل عليَّ ستُوْرُها كما أنهم مدحوا الرجلَ بأنه يغُضُّ بصره عن نساء جاره، يقول المُنْتَشِرُ: لا يُهتكُ السترُ عن أُنثى يُطالعُها ولا يَشُدُّ إلى جارته النَّظرا أما مِسْكَينُ الدَّارِمِيُّ فيُصيبُهُ العَمى: وأَعْمَى إذا ما جارتِي بَرزَتْ حتى يُوارِي جارتي الخِدْرُ أما الخنساء فقد كانت نظرتها أبعد من ذلك، منطلقة من نظرتها التي لا ترى في النظر بأساً، ولعل ذلك من منطلق أنها تلفت الانتباه ، ولهذا فهي تذم جار السُّوء الذي يدُبُّ لبيتِ جَارِهِ: ولا يقومُ إلى ابنِ العمِّ يَشْتُمُهُ ولا يَدبُّ إلى الجاراتِ تَخْوِيْدا وتؤكد على تسامحها في النظر حين تمدح أخاها قائلة لم ترهُ جارةٌ يمشي بساحتها لرِيْبَةٍ حين يُخْلِي بيتَهُ الجارُ فهي تُلحُّ على الفعل المُشين، فيما يلحُّ الشاعر على مبدئه وهو النظر. إن نظرة الرجلِ الشاعر والمرأة الشاعرة لتلك القضية تبين أن المَرْمَيَيْنِ متباعدان وإن كانا على خط واحدٍ.
مشاركة :