كان واصل بن عطاء من أصحاب الحسن البصري فلما علا في الحلقة الاختلاف في مرتكب الكبائر وقال الجماعة بإيمانهم، خرج واصل بقول المنزلة بين المنزلتين، فطرده الحسن، فاعتزل عنه، وتبعه عمرو بن عبيد، ومن ثمّ سمُّوا بالمعتزلة. إن نظام الحِلق - الذي كان أساس النظام التعليمي آنذاك - يمنح الفرد حرية طرح رأيه، سالكاً به مفازات الفكر، يبشر به مادام في الإطار الإسلامي، ويهبه بذلك توقيعاً إذا ازدحمت حلقته بالطلاب، إن هذا النظام نمط من أنماط الحرية الفكرية التي يملكها الفرد في العصور الإسلامية الزاهية، فلا يحدُّه تعليم نظامي يلزمه بما في المقررات والمراجع، ولا مشرف أكاديمي يقسره على تبني أفكاره، فتكون الدراسة بقلم الطالب لكنها تتحدث بلسان مشرفه أو إطاره الأكاديمي الذي يتحرك فيه، فلمْ يبشرْ الدارسُ والباحث هنا بقناعاته ورؤيته وإنما كتبها تحت سطوة السلطة والنظام السائد، لقد حدَّت تلك الممارسات من الإبداع، وتحولت كثير من الممارسات البحثية إلى اجترار، فتجد الأطروحات كأنها توائم في الخلق والإبداع ليس بينها فرق إلا في المعلومة التي تطرحها، لقد كانت العصور المشرقة في الحضارة العربية أرضاً خصبة لكل المفكرين والمبدعين، تمنحهم لسان القول، وأن يبشروا بآرائهم دون الوقوع تحت سلطة التعليم الذي يتخذ طريقاً يراه المجتمع مساراً مناسباً وتدعمه السلطة.
مشاركة :